الطغاة والساسة جلّهم أصحاب مواهب الى جانب السياسة، بعضهم يمارسها وبعضهم يعتدي على أصحابها. كان الجنرال الصربي رادوفان كراديتش يهوى الموسيقى الشعبية وكتابة الشعر وتأليف المسرحيات، لم نقرأ شعره أو كتاباته، علمنا أنه زرع الأرض بالمجازر، وانتهى من القتل الى «الطب البديل»، مفارقة عجيبة، إنه سناريو متخيّل لرواية.
يشبه كراديتش بصدام حسين، عثر على هذا الأخير في الحفرة بلحية كثّة، وكان يكتب الرواية ويلقي الشعر الفحولي ويمدح الماجدات، تعكس روايته تفكيره وطرقه في التسلّط، ومثله العقيد الليبي معمر القذافي كتب القصة القصيرة التي حظيت باهتمام النقاد من أقطاب العالم العربي والباحثين عن الارتزاق.
كان الزعيم الصيني ماو تسي تونغ رساماً وشاعراً، من يقرأ تاريخه يعرف ماذا فعل بالصين. كذلك كان وينستون تشرتشل رساماً أيضا، والمعروف أنه نال جائزة نوبل للآداب. المفارقة العجيبة أن هتلر كان رساماً، ومن سوء حظ هذا العالم أنه ترك الرسم واتجه إلى العمل السياسي، يقال إنه رُفض في المعهد فانتقل الى السياسة، كان رساما فاشلاً، وحين وصل الى السلطة صبّ جام غضبه على معظم الرسامين المجددين، فأحرق لوحاتهم وقتل بعضهم. قال البعض لو أن المعهد قبل هتلر في امتحانات الرسم لكان أنقذ العالم من الهلاك، ربما، من يعرف كيف كانت الأمور ستجري. هؤلاء الطغاة يحكمون العالم كما لو أنهم يكتبون الشعر او يرسمون، يدمرون مدينة كما لو أنهم يضربون بريشة، أو كأنهم يقولون كلمة.
لنأخذ جوزف ستالين مثلاً عن الطغاة، وهو الذي سحر الكثير من المثقفين في العالم، فقد صدر أخيرا كتاب «الشاب ستالين»، من تأليف الكاتب البريطاني سيمون سيباج مونتيفيور، تناول فيه جوانب إنسانية في حياة الزعيم الجورجي السوفياتي المعروف بالقسوة والديكتاتورية لم تكن معروفة من قبل، وقد اعتمد المؤلف على كم هائل من الوثائق الرسمية التي سمح الكرملين للكاتب مونتيفيور بالاطلاع عليها فضلا عن السماح له بالتفتيش عن الوثائق ذات الصلة في أرشيف جورجيا حيث نشأ الزعيم السوفياتي. يروي الكتاب أنه «قبل أن يصبح اسمه جوزيف ستالين» كصبي شديد الصلابة، ويتعرف القارئ خلال صفحات الكتاب الى الشخصية القاسية لوالد ستالين الذي لا نعرف عنه الكثير سوى أنه أب مدمن وذو قلب قاس. على نقيض ذلك، فقد كان هناك دائما حضن الأم الحنون التي رعته وعاملته برقة، محاولة تعويض القسوة والجفاء اللذين لاقاهما ستالين الصبي على يدي أبيه. حرصت والدته على رعايته كي يشتد عوده ويقوى على مغادرة مدينة جوري الجورجية ويبدأ حياته الجديدة. في الكتاب أيضا يتعرف إليه القارئ شاعراً ومغنياً، ويصف الكاتب الصوت الشدي الذي تمتع به ستالين وما عرف عنه من مشاركته في الغناء في حفلات الزواج مقابل أجر عندما كان شابا صغيرا. لم تقتصر اهتمامات ستالين على الغناء فحسب، إذ يقول الكاتب إن ستالين كان من القراء الشرهين وكان معجبًا بالأعمال الفنية لكبار الأدباء والروائيين مثل تشيخوف وبلزاك وحتى كتابات أفلاطون.
انزواء
ينقل مونتيفيور عن الوثائق التي عثر عليها في إطار بحثه عن بدايات هذا الشاب، أن ستالين كان غالبا ما ينزوي في غرفته ليقرأ تلك النصوص الأدبية على ضوء الشمعة، بينما كان يخفي الكتب التي يراها ممنوعة بين حزم الخشب المعدة للتدفئة. عُرف عنه أيضا اهتمامه ودراسته المعمقة للغة «اسبرانتو»، وهي لغة أوروبية اصطناعية تميزت بالسهولة، اخترعها أحد الأوروبيين الشرقيين أواخر القرن التاسع عشر واعتقد ستالين أنها ستكون لغة المستقبل.
يتساءل المؤلف عند وصوله إلى المرحلة التي تشهد تحوّلا في شخصية ستالين: أين ارتكب هذا الرجل الخطأ؟ يجيب الكاتب قائلا أن أسبابًا عدة دفعت بالزعيم ستالين الى أن يصبح ذلك الدكتاتور القاسي، غير أن سببين بتقديره تركا تأثيرا كبيرا في شخصيته، أولهما كان المنفى المظلم والموحش الذي قضى فيه ستالين فترات طويلة من شبابه. على الرغم من اعتراف الكاتب بأن ستالين كان واحدا من أساتذة التمويه، من بينها التخفي بزي النساء، بيد أن ذلك لم يحمه من الوقوع في شراك الشرطة السرية لقيصر روسيا. غير أن إلقاء القبض عليه لم يمنعه دائما من الفرار والوقوع في السجن ثانية وثالثة. لكن أقسى تجاربه وقعت له عند إرساله إلى المنفى في سيبريا وتركه وحيدا في كوخ متهالك في درجة حرارة منخفضة وصلت إلى خمسين درجة مئوية تحت الصفر. أما السبب الثاني فيتعلق بالأجواء السياسية التي عاشها قبل نجاح الثورة البلشفية عام 1917 حيث تعرضت الدائرة الضيقة لأصدقائه إلى اختراق كبير من رجال الشرطة السرية القيصرية.
يقول الكاتب إنه لم يُعرف عن ستالين في بداية الثورة سوى أنه كان احد رجال حماية الزعيم لينين وكان منخرطا بشكل مكثف في إعادة بناء المطابع الصحفية البلشفية التي كانت دمرت على أيدي القوات الحكومية. يرسم مونتيفيور صورة حية عن ستالين، بإشاراته إلى حالات الجنون واليأس التي ميزت عهد روسيا القيصرية الذي عاش فيه ستالين وزملاؤه من البلاشفة، وأسلوب المؤامرات الذي أصبح سمة للحكومات التي تعاقبت على الحكم في روسيا السوفياتية بعد ذلك.
جاذبية
ما هو سر جاذبية ستالين التي جعلت الكثيرين من الأشخاص العاديين يتعلقون به حول العالم؟ لماذا أعجب به أشخاص مثل بيكاسو رائد التكعيبية، والشاعر الفرنسي السوريالي بول ايلوار وحتى الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت الذين وقعوا جميعاً في شباك جاذبيته؟
بالنسبة الى مجموعة المثقفين الذين وصلوا الى الحكم في انقلاب عسكري، كان الحزب البلشفي لا يعتبر السياسة أكثر من بؤرة للمؤامرات كل من يمارسها عدد محتمل لهم، وبذلك كانوا حزبا بلا أيديولوجيا حقيقية أو تحليل جاد للمجتمع الروسي في ذلك الوقت، وقطعاً لم يكن لدى البلشفيين أي برنامج عمل وكانوا يطوّرون فكرهم ورؤيتهم مع الوقت.
أدى هذا كله في النهاية الى فلسفة يعتقدون فيها أن القوة السياسية هي الغاية في حد ذاتها وليست الوسيلة للوصول الى الغاية. يعتبر مونتيفيور أن تصوّر ستالين للسلطة المطلقة كان محاولة منه لإعطاء شيء بديل للحزب البلشفي الذي كان شكلاً أكثر من كونه مضموناً. يؤكد المؤلف أنه لو لم يفعل ستالين هذا لانهار الاتحاد السوفياتي تحت ضربات هتلر. لكن ستالين كانت لديه الفطنة ليدرك أن هزيمة النازية لا يمكن أن تتحقق تحت لواء الشيوعية، وعلى الفور أمر رجاله بالتفرّغ لحماية «روسيا الأم» وترك المحاضرات الشيوعية. استغل تعليمه الديني في كتابة الخطب بطريقة المواعظ الكنسية في محاولة منه لكسب الفلاحين بتلك اللغة واللكنة القوقازية.
كتب ستالين الشعر في صباه، وفي ظل حكمه قمع أفضل الشعراء، يقول ابراهيم العريس: ولئن كانت نظرية الرئيس الأميركي ولّدت الماكارثية والقمع الذي طاول القوى اليسارية والديموقراطية الأميركية، لا سيما المثقفين والسينمائيين، فإن نظرية جدانوف لم تبتعد كثيراً عن ذلك، فهي، الى دنوّها من السياسات العالمية كان لها تأثيرها، الذي لا يزال حاضراً حتى اليوم، في الأحزاب الشيوعية في أنحاء كثيرة من العالم. إضافة الى بعدها السياسي والحزبي المباشر، هدفت نظرية جدانوف الى وضع كل إبداع فني وأدبي وفكري في خدمة الحزب الشيوعي. نعرف طبعاً أن هذه السياسة، ارتبطت كذلك باسم ستالين، وحتى بممارسات هذا الأخير من قبل أن ينضم ديمتري جدانوف الى الطاقم العامل معه. ذلك أن الطلاق بين الإبداع والثورة، بدأ منذ نهاية سنوات العشرين، بالتزامن – وليس في الأمر مصادفة بالطبع – مع بروز السياسات الثقافية الفاشية، لا سيما في إيطاليا وألمانيا، والتي كان هدفها الرئيس دائماً محو حرية الفكر والإبداع.
لقد روى لنا التاريخ كيف أن عشرات المثقفين والمبدعين السوفيات، وزملاء لهم لاحقاً في بلدان شيوعية أخرى، نفوا أنفسهم أو صمتوا أو انتحروا، حين لم يعد في وسعهم التعايش مع أنماط الإنتاج الإبداعي والفكري التي راح ستالين يطالب بها، في الوقت الذي كان مصير المبدعين، تحت سلطة النازيين والفاشيين، متطابقاً تماماً مع مصيرهم تحت سلطة ستالين. إذاً، عندما وضع جدانوف نظريته، ضمن إطار الدراسة التي ألقاها في المؤتمر التأسيسي للكومنترن، يوم 22 سبتمبر (أيلول) 1947، في مدينة شكلارسكا – بوريبا البولندية، لم يكن ليفعل أكثر من تنظيم نظريات سيده ستالين وشرح أفكاره التي يمكن وصفها، ببساطة، بأنها أفكار تقوم على تقسيم العالم الى كتلتين: الإمبريالية والإشتراكية. الأولى هي الشر كل الشر والثانية هي الخير والرفاهية. الناس مجبرون على اختيار موقعهم، فهم إما هنا وإما هناك. فإن لم تكن هنا ستكون هناك بالضرورة. في معنى أنك إن لم تتبن الواقعية الإشتراكية ومفاهيم البطل الإيجابي، وأدب الشعب والإبداع من أجل البروليتاريا وديكتاتوريتها، فأنت بالضرورة في صف الأعداء الإمبرياليين. كان الأمر بالنسبة الى جدانوف واضحاً تمام الوضوح: تحكم العالم الغربي الرأسمالي بورجوازية سارقة حققت ثرواتها من استغلال الناس ووسائل الإنتاج
يشبه كراديتش بصدام حسين، عثر على هذا الأخير في الحفرة بلحية كثّة، وكان يكتب الرواية ويلقي الشعر الفحولي ويمدح الماجدات، تعكس روايته تفكيره وطرقه في التسلّط، ومثله العقيد الليبي معمر القذافي كتب القصة القصيرة التي حظيت باهتمام النقاد من أقطاب العالم العربي والباحثين عن الارتزاق.
كان الزعيم الصيني ماو تسي تونغ رساماً وشاعراً، من يقرأ تاريخه يعرف ماذا فعل بالصين. كذلك كان وينستون تشرتشل رساماً أيضا، والمعروف أنه نال جائزة نوبل للآداب. المفارقة العجيبة أن هتلر كان رساماً، ومن سوء حظ هذا العالم أنه ترك الرسم واتجه إلى العمل السياسي، يقال إنه رُفض في المعهد فانتقل الى السياسة، كان رساما فاشلاً، وحين وصل الى السلطة صبّ جام غضبه على معظم الرسامين المجددين، فأحرق لوحاتهم وقتل بعضهم. قال البعض لو أن المعهد قبل هتلر في امتحانات الرسم لكان أنقذ العالم من الهلاك، ربما، من يعرف كيف كانت الأمور ستجري. هؤلاء الطغاة يحكمون العالم كما لو أنهم يكتبون الشعر او يرسمون، يدمرون مدينة كما لو أنهم يضربون بريشة، أو كأنهم يقولون كلمة.
لنأخذ جوزف ستالين مثلاً عن الطغاة، وهو الذي سحر الكثير من المثقفين في العالم، فقد صدر أخيرا كتاب «الشاب ستالين»، من تأليف الكاتب البريطاني سيمون سيباج مونتيفيور، تناول فيه جوانب إنسانية في حياة الزعيم الجورجي السوفياتي المعروف بالقسوة والديكتاتورية لم تكن معروفة من قبل، وقد اعتمد المؤلف على كم هائل من الوثائق الرسمية التي سمح الكرملين للكاتب مونتيفيور بالاطلاع عليها فضلا عن السماح له بالتفتيش عن الوثائق ذات الصلة في أرشيف جورجيا حيث نشأ الزعيم السوفياتي. يروي الكتاب أنه «قبل أن يصبح اسمه جوزيف ستالين» كصبي شديد الصلابة، ويتعرف القارئ خلال صفحات الكتاب الى الشخصية القاسية لوالد ستالين الذي لا نعرف عنه الكثير سوى أنه أب مدمن وذو قلب قاس. على نقيض ذلك، فقد كان هناك دائما حضن الأم الحنون التي رعته وعاملته برقة، محاولة تعويض القسوة والجفاء اللذين لاقاهما ستالين الصبي على يدي أبيه. حرصت والدته على رعايته كي يشتد عوده ويقوى على مغادرة مدينة جوري الجورجية ويبدأ حياته الجديدة. في الكتاب أيضا يتعرف إليه القارئ شاعراً ومغنياً، ويصف الكاتب الصوت الشدي الذي تمتع به ستالين وما عرف عنه من مشاركته في الغناء في حفلات الزواج مقابل أجر عندما كان شابا صغيرا. لم تقتصر اهتمامات ستالين على الغناء فحسب، إذ يقول الكاتب إن ستالين كان من القراء الشرهين وكان معجبًا بالأعمال الفنية لكبار الأدباء والروائيين مثل تشيخوف وبلزاك وحتى كتابات أفلاطون.
انزواء
ينقل مونتيفيور عن الوثائق التي عثر عليها في إطار بحثه عن بدايات هذا الشاب، أن ستالين كان غالبا ما ينزوي في غرفته ليقرأ تلك النصوص الأدبية على ضوء الشمعة، بينما كان يخفي الكتب التي يراها ممنوعة بين حزم الخشب المعدة للتدفئة. عُرف عنه أيضا اهتمامه ودراسته المعمقة للغة «اسبرانتو»، وهي لغة أوروبية اصطناعية تميزت بالسهولة، اخترعها أحد الأوروبيين الشرقيين أواخر القرن التاسع عشر واعتقد ستالين أنها ستكون لغة المستقبل.
يتساءل المؤلف عند وصوله إلى المرحلة التي تشهد تحوّلا في شخصية ستالين: أين ارتكب هذا الرجل الخطأ؟ يجيب الكاتب قائلا أن أسبابًا عدة دفعت بالزعيم ستالين الى أن يصبح ذلك الدكتاتور القاسي، غير أن سببين بتقديره تركا تأثيرا كبيرا في شخصيته، أولهما كان المنفى المظلم والموحش الذي قضى فيه ستالين فترات طويلة من شبابه. على الرغم من اعتراف الكاتب بأن ستالين كان واحدا من أساتذة التمويه، من بينها التخفي بزي النساء، بيد أن ذلك لم يحمه من الوقوع في شراك الشرطة السرية لقيصر روسيا. غير أن إلقاء القبض عليه لم يمنعه دائما من الفرار والوقوع في السجن ثانية وثالثة. لكن أقسى تجاربه وقعت له عند إرساله إلى المنفى في سيبريا وتركه وحيدا في كوخ متهالك في درجة حرارة منخفضة وصلت إلى خمسين درجة مئوية تحت الصفر. أما السبب الثاني فيتعلق بالأجواء السياسية التي عاشها قبل نجاح الثورة البلشفية عام 1917 حيث تعرضت الدائرة الضيقة لأصدقائه إلى اختراق كبير من رجال الشرطة السرية القيصرية.
يقول الكاتب إنه لم يُعرف عن ستالين في بداية الثورة سوى أنه كان احد رجال حماية الزعيم لينين وكان منخرطا بشكل مكثف في إعادة بناء المطابع الصحفية البلشفية التي كانت دمرت على أيدي القوات الحكومية. يرسم مونتيفيور صورة حية عن ستالين، بإشاراته إلى حالات الجنون واليأس التي ميزت عهد روسيا القيصرية الذي عاش فيه ستالين وزملاؤه من البلاشفة، وأسلوب المؤامرات الذي أصبح سمة للحكومات التي تعاقبت على الحكم في روسيا السوفياتية بعد ذلك.
جاذبية
ما هو سر جاذبية ستالين التي جعلت الكثيرين من الأشخاص العاديين يتعلقون به حول العالم؟ لماذا أعجب به أشخاص مثل بيكاسو رائد التكعيبية، والشاعر الفرنسي السوريالي بول ايلوار وحتى الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت الذين وقعوا جميعاً في شباك جاذبيته؟
بالنسبة الى مجموعة المثقفين الذين وصلوا الى الحكم في انقلاب عسكري، كان الحزب البلشفي لا يعتبر السياسة أكثر من بؤرة للمؤامرات كل من يمارسها عدد محتمل لهم، وبذلك كانوا حزبا بلا أيديولوجيا حقيقية أو تحليل جاد للمجتمع الروسي في ذلك الوقت، وقطعاً لم يكن لدى البلشفيين أي برنامج عمل وكانوا يطوّرون فكرهم ورؤيتهم مع الوقت.
أدى هذا كله في النهاية الى فلسفة يعتقدون فيها أن القوة السياسية هي الغاية في حد ذاتها وليست الوسيلة للوصول الى الغاية. يعتبر مونتيفيور أن تصوّر ستالين للسلطة المطلقة كان محاولة منه لإعطاء شيء بديل للحزب البلشفي الذي كان شكلاً أكثر من كونه مضموناً. يؤكد المؤلف أنه لو لم يفعل ستالين هذا لانهار الاتحاد السوفياتي تحت ضربات هتلر. لكن ستالين كانت لديه الفطنة ليدرك أن هزيمة النازية لا يمكن أن تتحقق تحت لواء الشيوعية، وعلى الفور أمر رجاله بالتفرّغ لحماية «روسيا الأم» وترك المحاضرات الشيوعية. استغل تعليمه الديني في كتابة الخطب بطريقة المواعظ الكنسية في محاولة منه لكسب الفلاحين بتلك اللغة واللكنة القوقازية.
كتب ستالين الشعر في صباه، وفي ظل حكمه قمع أفضل الشعراء، يقول ابراهيم العريس: ولئن كانت نظرية الرئيس الأميركي ولّدت الماكارثية والقمع الذي طاول القوى اليسارية والديموقراطية الأميركية، لا سيما المثقفين والسينمائيين، فإن نظرية جدانوف لم تبتعد كثيراً عن ذلك، فهي، الى دنوّها من السياسات العالمية كان لها تأثيرها، الذي لا يزال حاضراً حتى اليوم، في الأحزاب الشيوعية في أنحاء كثيرة من العالم. إضافة الى بعدها السياسي والحزبي المباشر، هدفت نظرية جدانوف الى وضع كل إبداع فني وأدبي وفكري في خدمة الحزب الشيوعي. نعرف طبعاً أن هذه السياسة، ارتبطت كذلك باسم ستالين، وحتى بممارسات هذا الأخير من قبل أن ينضم ديمتري جدانوف الى الطاقم العامل معه. ذلك أن الطلاق بين الإبداع والثورة، بدأ منذ نهاية سنوات العشرين، بالتزامن – وليس في الأمر مصادفة بالطبع – مع بروز السياسات الثقافية الفاشية، لا سيما في إيطاليا وألمانيا، والتي كان هدفها الرئيس دائماً محو حرية الفكر والإبداع.
لقد روى لنا التاريخ كيف أن عشرات المثقفين والمبدعين السوفيات، وزملاء لهم لاحقاً في بلدان شيوعية أخرى، نفوا أنفسهم أو صمتوا أو انتحروا، حين لم يعد في وسعهم التعايش مع أنماط الإنتاج الإبداعي والفكري التي راح ستالين يطالب بها، في الوقت الذي كان مصير المبدعين، تحت سلطة النازيين والفاشيين، متطابقاً تماماً مع مصيرهم تحت سلطة ستالين. إذاً، عندما وضع جدانوف نظريته، ضمن إطار الدراسة التي ألقاها في المؤتمر التأسيسي للكومنترن، يوم 22 سبتمبر (أيلول) 1947، في مدينة شكلارسكا – بوريبا البولندية، لم يكن ليفعل أكثر من تنظيم نظريات سيده ستالين وشرح أفكاره التي يمكن وصفها، ببساطة، بأنها أفكار تقوم على تقسيم العالم الى كتلتين: الإمبريالية والإشتراكية. الأولى هي الشر كل الشر والثانية هي الخير والرفاهية. الناس مجبرون على اختيار موقعهم، فهم إما هنا وإما هناك. فإن لم تكن هنا ستكون هناك بالضرورة. في معنى أنك إن لم تتبن الواقعية الإشتراكية ومفاهيم البطل الإيجابي، وأدب الشعب والإبداع من أجل البروليتاريا وديكتاتوريتها، فأنت بالضرورة في صف الأعداء الإمبرياليين. كان الأمر بالنسبة الى جدانوف واضحاً تمام الوضوح: تحكم العالم الغربي الرأسمالي بورجوازية سارقة حققت ثرواتها من استغلال الناس ووسائل الإنتاج
الجمعة فبراير 28, 2014 12:40 pm من طرف zaid varouqa
» الوطن-في-أدب-الشراكسة-العربي-والمعرب-د.-إيمان-بقاعي
الجمعة فبراير 28, 2014 12:35 pm من طرف zaid varouqa
» القاموس الشركسي جديد
الأحد سبتمبر 08, 2013 5:22 pm من طرف zaid varouqa
» تشيركيسك
الأحد سبتمبر 08, 2013 5:18 pm من طرف zaid varouqa
» قدماء الأديغة
الأحد سبتمبر 08, 2013 5:16 pm من طرف zaid varouqa
» جهاد واستشهاد شركسي ضد الاحتلال الفرنسي لسوريا
الأحد سبتمبر 08, 2013 5:15 pm من طرف zaid varouqa
» عيد الدغاغازة
الأحد سبتمبر 08, 2013 5:14 pm من طرف zaid varouqa
» الشاعر عادل بيرسنق الشيشاني
الأحد سبتمبر 08, 2013 5:13 pm من طرف zaid varouqa
» اكتشافات أثرية في جبال شمال القوقاز
الأحد سبتمبر 08, 2013 5:11 pm من طرف zaid varouqa